محمود خيرالله :نخّال الخُطى سخرية النص فى خدمة شعرية الهزيمة
محمود خيرالله :نخّال الخُطى سخرية النص فى خدمة شعرية الهزيمة


محمود خيرالله :نخّال الخُطى سخرية النص فى خدمة شعرية الهزيمة

أخبار الأدب

الأحد، 01 أكتوبر 2023 - 01:29 م

يحق للمرء إذا كان معنياً فعلاً بمستقبل قصيدة النثر التى باتت تمثل ذروة التجريب فى الشعر العربى أن يسأل عن الخطوات التى قطعها النص الجديد فى بلدان عربية عدة.

وعن المسارات والانحيازات الجمالية التى مشت فيها القصيدة  خصوصاً خلال عقد من الزمان (2011  2021 أسماه البعض عقد «الربيع العربي»  وقد كتبها شعراء من كل بلدان الوطن العربى لذا يحق لى أن أسأل عن الفوارق الواضحة بين قصيدة النثر المصرية والسورية والمغاربية على سبيل المثال، كيف تأثرت كل منها بتغيرات الواقع السياسى والاجتماعي، وكيف تأثرت بمحيطها الثقافى والإبداعى وكيف تفاعلت معه؟.

الحق أن مثل هذه التساؤلات المشروعة سوف تداهمك وأنت تقرأ كتاب «نخال الخطى.. مختارات من شعر الخارج السورى بعد 2011» إعداد أحمد قطليش، والصادر فى طبعته الأولى العام 2018 عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ومقرها «دمشق»، تلك الأسئلة ستداهمك لأن المختارات تضم نصوصاً لأحد وعشرين شاعراً وشاعرة من سوريا يعيشون فى المنافى بينهم شعراء راسخون فى قصيدة النثر العربية مثل رشا عمران وعارف حمزة ورائد وحش ووفائى ليلا ووداد نبى على سبيل المثال، وبينهم أصوات شعرية مشرقة نقرأها لأول مرة مثل المغيرة الهويدى وميس الريم قرفول وبشرى البشوات وحمد عبود وغيرهم.

اقرأ ايضاً| «الزراع» عضوًا بمجلس كرسي الألكسو لخدمة الطفولة

بداية أستطيع أن أعترف بعد قراءة هذه المختارات أن قصيدة النثر السورية قفزت فوق ذاتية الشعر العربى الجديد وجسدانيته المفرطة، وقدمت بسبب ظروف الحرب نصوصاً شعرية مدهشة لا تتخلى عن انحيازها فيها عن عنصرين أساسيين الأول هو القدرة على التجريب والكتابة على غير مثال سابق، والثانى هو الانحياز الواضح إلى قضية الإنسان السورى وعدم التعالى على حقوقه فى الحياة والعدل والجمال، وبالتالى قامت قصيدة النثر السورية بمخالفة تعليمات نقادنا الأفذاذ الذين حذروا أجيالاً متعاقبة من الشعراء من تناول القضايا الكبرى فى قصائدهم، فإذا بالشعراء السوريين يخلعون الأقنعة ويقدمون نصاً مشغولاً بالقضايا الكبرى من دون أن يفرطوا فى جرأته وخصوصيته وإدهاشه.

فى هذه المناسبة أتسائل أيضاً كيف اتخذت قصيدة النثر السورية المهاجرة لنفسها طريقاً ملائماً للتعبير عما حدث من انهيار وتفسخ مجتمعى جراء الحرب الأهلية، بتقديم العوالم والدلالات التى تعكس شظايا الحرب وتصف الهجرات وتتبع المصائر المفجعة للبشر، وهل اختارت القصيدة السورية المقيمة فى سوريا  الشاعر الكبير منذر مصرى على سبيل المثال  المسار نفسه من الكتابة الشعرية الذى اختارته القصيدة المهاجرة.. أم أنها انحازت إلى نوع آخر؟.

يشير معنى «نخّال الخطى» الذى لم يرد فى أى من النصوص إلى أن مُعد الكتاب الشاعر أحمد قطليش  مقيم فى ألمانيا  اعتمد على ذائقته الرفيعة  فى اختيار العنوان والنصوص، والحق أنه انتقى شعراءه ممن هاجروا بعد الثورة، وكأنه يريد أن يقول من عبارة «نخال الخطى» إنها صيغة مبالغة من كلمة «ناخل»، أى الذى ينخل الدقيق بمنتهى الدقة، أى ينقِّيه من الشوائب، كأنها محاولة لنخل خطى قصيدة النثر السورية المهاجرة وتنقيتها من الشوائب، وفى مقدمته يتبنى قطليش بصراحة فكرة أن الحراك الاجتماعى المصاحب لبداية الثورة السورية 2011 تسبب فى تغيير وجه الشعر السوري، حيث أدى هذا الحراك إلى هدم التوازنات التى كانت سائدة على مدى عقود فى البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية السورية، وأضاف قطليش:

«هذا الواقع الجديد انتقل أيضاً إلى الكتابة الشعرية، فالشعراء كانوا  قبل الثورة  فى عزلة عن المجتمع وقضاياه، وكانت الفردانية سيمة رئيسة فى كتاباتهم، وحددت النزاعات الداخلية الشعر وعوالمه»، لافتاً إلى أن نظام الأسد نجح من قبل مستخدماً كل أدوات القمع والترهيب فى تحييد الشعر، وها هى الثورة تطيح بالتوازنات وتدفع الشعراء إلى الهجرة، وهناك تحت سقوف الحرية الغربية العالية أصبح بإمكانهم أن يتخذوا من حريتهم سلاحاً ومن شعرهم طريقاً للتحرر من كل أشكال الفناء والعبودية.

أعتقد أن كثيراً من قصائد النثر فى «نخال الخطى» تتمتع بكثير من السمات العامة لقصيدة النثر المكتوبة فى كل اللغات، أكثر من توفر قيم «الإيجاز، المجانية، التوهج» التى اشترطتها الباحثة الفرنسية سوزان برنار كسمات أساسية لقصيدة النثر، ولو استعرنا من الراحل الكبير ادوارد الخراط ما لاحظه أواخر التسعينيات فى كتابه «شعراء الحداثة فى مصر دراسات وتأويلات»، من سمات خاصة بقصيدة النثر المصرية سنجدها مستقرة عنده فى الآتي: المفارقة، الكوميديا السوداء، الهذيان المحكوم، الإيقاع المتقطع، وبعد عشرين عاماً من رأى الخراط أشار الشاعر والناقد الراحل شريف رزق إلى ما اعتبرها سمات القصيدة نفسها مثل: «شخصنة الخطاب الشعري، هيمنة النزعة اليومية والتفاصيلية، أسطرة المعيشى والمكاني، استنفاد شعرية التقرير السردي».

وفى حين استكان الشعراء فى التجربة المصرية  التى لم تتعرض أرضها لهزة مجتمعية عنيفة  إلى تكرار هذه الأنماط فى ظل حالة الاهتمام بالجسد والإيمان به، حفلت قصائد «نخال الخطى» بسماتٍ شعرية إضافية، فقد تضاعفت حمولة السخرية والتهكم وزاد استخدام تقنيات «الكوميديا السوداء» بتعبير ادوار الخراط  فى نصوص الشعراء السوريين، كأنهم يشهرون بهذه اللهجة الساخرة رد فعلهم الشعرى فى وجه العالم، حين يتهكمون على الموت وسيولته فى مجتمعات «الديستوبيا»، والذى لا شك فيه أنه فى بيئة القتل على أساس الهوية لا يُمكن للشعر إلا أن يستعمل أقسى أنواع المفارقة، والمدهش أكثر أن بيئة الحرب كانت هى المناخ الذى وصفته قبل عقود فلسفات «مابعد الحداثة»، التى عبرت دائماً عن أن إنسان العصر الرأسمالى الحديث يعانى من تفتت الإنسان والعالم الذى يعيش فيه، لم تعد هناك وحدة لم يعد هناك شمول.

لقد اندفع شعراء المنفى السورى  كرد فعل على اندفاع الحرب  فى تشكيل قصائدهم عبر وسائط أسلوبية متعددة، وإن كانت اللغة فيها جميعاً مكثفة ومقتصدة، كما تعددت حيل الشعراء «نصان بالعامية السورية ونصان من شعر التفعيلة» وتنوعت المداخل إلى العوالم التى تدور فيها قصائدهم وزادت نسبة الهذيان الشعرى المحكوم، إلا أن كل القصائد تقريباً حكت شيئا عن الموت واتخذت منه موقفاً، وأعتقد أن البطل الحقيقى فى هذه القصائد ليس هو الموت فى حد ذاته كفعل فناء ينهى حياة البشر، بل أعتقد أن البطل الحقيقى فى «نخال الخطى» هو قدرة كثير من هذه النصوص على السخرية والتهكم من الموت أو التعالى عليه أو الانفلات من سطوته أو النيل منه أو التنظير بشأنه، وهو الدور الحقيقى الذى لعبه الفن عبر العصور فى مواجهة كل أشكال الفناء، إلى أن جاء الكاتب والمخرج المسرحى الفرنسى جان كوكتو لينهى المسألة ويتساءل مستنكراً منتصف القرن العشرين:

الشعر ضرورة.. وآهٍ لو كنت أعرف لماذا؟.

من الموت إلى الشهوة

إجمالاً يمكن تقسيم تأثيرات الحرب على القصائد إلى ثلاثة مستويات من مواجهة الموت: «أولاً الموت تحت القصف فى الوطن، وثانياً الموت غرقاً فى البحر خلال رحلة الهجرة، وثالثاً الموت بعد الضياع فى صقيع المدن الأوربية»، وإذا نجا الشاعر من هذه العتبات الثلاث فهو عاش  على الأرجح  لكى يكتب نص موته، وباستثناء قصيدة رشا عمران «شهوة» تغرق قصائد «نخال الخطى» فى موتٍ عميم.

قلت إن قصيدة شهوة للشاعرة رشا عمران هى استثناء فى هذه المختارات لأنها ارتبطت بمدخل جديد فهى صاحبة النص الوحيد الذى يذهب إلى الحياة بكل تشظياتها، تقول الشاعرة من أول سطر «أريد أن أكتب عن الحياة»، كأنها تتخذ قراراً مباشراً ضد الفناء، والحقيقة أن الشاعرة ربما كانت صاحبة النص النسائى الوحيد الذى لم يذكر الحرب صراحة أبداً فى «نخال الخطى»، بينما كل ما ترسمه قصيدتها من مشاهد وصور وكل ما تعكسه من رغبات وأمنيات ربما كان بسبب تلك الحرب، تقول ساخرة من الخدعة التى تعرضت لها راضية:

«أريد أن أكتب عن الحياة، أنا التى قضمت الحياة أصابعى اليمنى كما يقضم فأر لعبة بلاستيكية، وراقبتها دون أن أبالي، ثم مددت لها اليسرى دون أن أشعر بالندم». 

أعتقد أن تعدد العوالم التى تصفها القصائد يأتى مباشرة من تعدد أشكال البؤس الذى تخلفه الحرب فى روح كل مواطن، وقد تؤدى الحرب إلى صدمة نفسية عنيفة، لأنه ليس كل الناس قادرين على مواجهة الهزيمة، واللافت أن كل شاعر فى المختارات انتقى من الحرب مشهداً  أو بمعنى أصح  شظية، ووقف يتأملها ساخراً من كل ما حدث، ها هو عارف حمزة يفعلها حينما تذكر أن حبيبته تعيش وحيدة فى إحدى المدن السورية، يقول فى نص «أمنية»:

«فى الباص

فى الطريق إلى بيتكِ

وأنت تنظرين إلى شجرةٍ مُحترقة.. إلى جثة

عندما يرتجُّ جسدك بسبب حصاةٍ صغيرة أو كبيرة»

الشاعر هنا مغترب ويتخيل حبيبته وهى تنظر من شرفة «الباص» أو حين تمشى متأملة الطريق، فى كل الأحوال لن تجد ما تنظر إليه إلا شجرة محترقة أو جثة، إنها  فى أحسن الأحوال  جولة فى الجحيم الأرضى الجديد، ثم يُكمل نصه معتمداً على صدمة النهاية:

«فى الطريق إلى بيتكِ

وأنت تتأملين يداً مقطوعةً

أتمنى

لو كنتُ

مكانها.»

هكذا وبمثل هذه المفارقة الساخرة التى فجرتها أمنية الشاعر أن يكون يداً مقطوعة تتأملها حبيبته، تفتح القصيدة أبوابها على عالم آخر، ففى أى جحيم تعيش هذه المرأة، وعلى أى نحو يمكن أن تستكمل حياتها ما دامت لا ترى إلا شجرة أو جثة ولا تتأمل إلا يداً مقطوعة؟.. والأكثر ألماً أن الذات الشاعرة تتمنى لو كانت معها فى هذه الصورة السوداء للوطن  حتى  ولو على هيئة يد بشرية بائسة ومقطوعة، وهكذا يبدو أن المحذوف من النص من أصوات وألوان وروائح يلعب دوراً جوهرياً فى تشكيل بنيته، وهى مفارقة أخرى صنعتها الكثافة والإيجاز، بحث أدت اللغة إلى توليد دلالات إضافية عبر «الإبدال» و»الإزاحة»، لقد أخّر الشاعر أمنيته إلى آخر النص قاصداً أن يترك خيال القاريء مفتوحاً على هذا المشهد العاطفى العبثى لرجل مغترب يتمنى أن يكون يداً مقطوعة تتأملها حبيبته.

لقد راقت لى فكرة أن يكون شعراء «نخال الخطى» من السوريين الذى عاشوا قسطاً من الحرب، قبل أن ينتقلوا للعيش فى بلاد الهجرة والمنافى العربية والأوربية، كأن الاختيار استهدف هؤلاء الذين ذاقوا حلاوة الخروج من الجحيم كما عرفوا  ولا شك  طعم الهزيمة، هذا التنوع فى معطيات التجربة سهل على الشعراء استخدام أسلوب «التشظي» فى كتابة النثر، فأثناء الحرب يبدو التناسق والتناغم بين مفردات العالم أمراً سخيفاً وغير معقول، حيث يغرق الجميع فى التفجيرات والدماء والقتلى، بما ينعكس هذا الأداء الحياتى أيضاً على الشعر، ويبدو أن العيش لفترة تحت القصف يدفع الشعراء إلى كتابة نصوص التشظى بكثافة ملحوظة وإلى استخدام بعض آليات الكتابة السردية المستندة على «تداعى الخواطر فى اللاوعي»، ها هو الشاعر أحمد عبود يُعيد هندسة الموت وتفتيته إلى شظايا متناثرة فى قصيدة «الموت ومقاماته» كأنه يهزأ بنهاياتنا فيعيد تقسيمها:

«لا تمت ميتة عادية فى حرب غير عادية. فى الحرب غير العادية، لا يُفضّل ولا يُستحسن أنْ تموت كيفما تشاء، عليكَ أن تعلم بأن هناك قواعد وخيارات متاحة ومحددة. أن تموتَ برصاص القناص فهو خير على خير، وإن كان ممكنًا فمُتْ بقذيفة فى ساعة محددة»، ليس أوّلها النصر

لقد جاءت تقنية التشظى سمة ملحوظة فى قصائد نخال الخطى» مثلما فى قصيدة «مزامير إزمير» للشاعر على سفر، الذى توقف أمام فزع الموت غرقاً فى قاع البحر، قدمت قصيدة الشاعر المغيرة الهويدى بعنوان «ليس أوَّلها النصر.. ليس آخرَها الهزيمة» صورة أخرى من صور التشظى خارج المكان و»اللامكان»، وهى تسرد حكاية من عدة مشاهد، مستخدماً المفارقة لكتابة اليأس مشككاً فى أن شيئا سوف يتغير بمجرد انتهاء الحرب:

«ستنتهى الحرب

فى صباحٍ لا يختلف عليه اثنان

ستواصل الأعشاب نموها تحت الركام

وستطير العصافير أمام عيون القطط غير آبهةٍ بما حدث

وستشرق الشمس إذا لم تكن السماء غائمة،

أو ستشرق فى اليوم التالي

ليس مهماً

نحن نعرف أن لا شئ سيتغير

أعني، ربما سنعرف هذا لاحقاً

وأن انتهاء الحرب لا يعنى بداية جديدة!».

لا تكتمل صورة هذه البكائية البديعة إلا حينما نعرف أن الذات المتكلمة مشردة تشارك آخرين فى حرق الأسئلة مع خشب الأسرّة فى تنك الزيت، أى أنها ذات شردتها الحرب لكنها تهذى فى صقيع الشتاء بذلك التناقض الأصلى الذى يستغرق ضحايا الحروب دائماً أقصد ذلك «الاضطراب الوجداني» المريع بين فكرتى النصر والهزيمة:

«لنتدفأ فى زوايا الشوارع،

لنضيء مساحاتٍ ضيقة من وجوهنا المتعَبة

وعندما يتناهى إلى مسامعنا صوت بكاء طفل

وضحكة عاهرة

سنضحك هذه المرة لسبب واضح

وسنبكى بعدها لأسبابٍ كثيرة

ليس آخرها النصر

وليس أولها الهزيمة».

المفارقة الساخرة هنا أن الذات المشردة الضحية تهذى بانتهاء الحرب وهى تؤمن بأنها لن تنتهي، أما الجانب التهكمى فعلاً فهو أنها ضحية لا تزال تهذى بشأن النصر والهزيمة كأنها جنرال على رأس معركة، بينما فى الحقيقة هو مجرد هذيان رجل شريد لا يملك من أمره شيئا، فى مشهد من الواقع العبثى «الديستوبي» الذى جعل نصوص «نخال الخطى» تنفرد بهذه النغمة الخافتة من «الكوميديا السوداء» التى تصنعها المفارقات التهكمية، تلك الخصوبة الفنية البارعة لإنتاج شعرية هزيمة، شيء أشبه ب «النكتة السوداء»، وفى حالة «الديستوبيا» السورية يحق للمرء أن يشير إلى ما قدمه الدكتور شاكر عبدالحميد فى كتابه «الفكاهة والضحك رؤية جديدة»، بشأن دور الجدية والتجهم فى إنتاج أنوع من الفكاهة وأن الحزن قد يكون أحد منابع الضحك الأصيلة.

لا يؤنسن رائد وحش  كما يبدو  فى قصيدته «من الغائبين إلى الغائبين» الموت فقط، إنه فى الحقيقة يخلطه بالأحياء واضعاً الموتى والمهاجرين فى كفة واحدة «الغائبين»، فأنت لا تعرف عن أى الغائبين يتحدث هنا، عن الذين غادروا تحت ضغوط الهجرات القسرية والجماعية مثلاً، أم عن الراحلين عن دنيانا، وبالتالى لا مكان للقاء بينهم إلا فى اللاوعي:

«منذ غابوا

لا مكان للقاء

إلا المنام..

ينتظروننا كل يوم

بثيابٍ نظيفة

وذقونٍ حليقة

كما يليق بالمواعيد العاطفية..»

أنت هنا أمام رؤية انشطارية للعالم بين غائبين وواقعيين، تحكى عن اللقاءات التى لا تتم بين النوعين إلا فى المنام حيث لامكان، لاحظ أن الكل هنا غائب، بالتالى يدور الحدث خارج الزمن والمكان، مستخدماً الذاكرة والمنام، لكى يتفاعل مع الغائبين، الذين يأتون بهيئتهم قبل الدفن، معلقاً فى سخرية «كما يليق بالمواعيد العاطفية»، لكنه يصمم أن يتركنا فى حيرة، حيث يبدو الجميع غائبين بطريقة ما وفى حالة من السيولة التى تجعلهم كائنات مثل «الطيف» لا أماكن ولا أزمنة تحدها لكنها تستطيع أن تحضر بسهولة فى فضاءات الأحلام:

«هل نحن من نصحو لنلتحقَ بهم؟

أم أنهم من ينامون لينضموا إلينا؟

كلنا غائبون

عنهم

وعنا

وينقصنا موتٌ يجمعُ شملَ العائلة».


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة